أن تكون هناك حقًا
فن الحضور الواعي والانتباه الكامل في العلاقات الإنسانية
يمكنك شراء الكتاب الإلكتروني والصوتي:
https://mental-fitness.sa/category/agdOdl
📖 المحتويات
الإهداء
المقدمة ومحاور مهمة
الفصل الأول: غيابنا الصامت
الفصل الثاني: قوة الحضور الحقيقي
الفصل الثالث: لغة الانتباه
الفصل الرابع: الحضور في العلاقات القريبة
الفصل الخامس: الحضور في العلاقات اليومية
الفصل السادس: عقبات الحضور الحقيقي
الفصل السابع: تمارين الحضور والانتباه
الفصل الثامن: أن تكون هناك حين يكون أصعب
الفصل التاسع: الحضور يشفي
الفصل العاشر: أن تكون هناك حقًا… مع نفسك
الخاتمة
التعريف بالمؤلف
✨ المقدّمة
حين كنت صغيرًا، كنت أظن أن أجمل ما يمكن أن يقدّمه لي أحدهم هو كلمة طيبة.
كبرت قليلًا، واكتشفت أن هناك ما هو أعمق: نظرة صادقة.
ثم مررت بلحظات من الألم والخذلان، فعلمت أن ما كنت أحتاجه حقًا…
كان شخصًا يكون هناك حقًا.
في زمن السرعة والضجيج، صار من النادر أن تجد من يجلس معك بكلّه… دون هاتف في يده، دون تفكير في شيء آخر، دون نية الرد أو الحكم أو النصح… فقط ليكون معك.
وقد صرت أرى – يومًا بعد يوم – أن الحضور الصادق، لا الموعظة، هو أعظم ما يمكن أن يهبه إنسان لإنسان.
كتبت هذا الكتاب لأنني رأيت كيف أن غياب الحضور يُخرّب أجمل العلاقات،
ولأنني اختبرت – مرارًا – كيف أن لحظة حضور صافية، تُصلح ما لم تصلحه كلمات كثيرة.
كتبته للآباء الذين يحبون أبناءهم لكن لا يعرفون كيف يكونون "هناك".
للشركاء الذين يعيشون معًا… لكن بين قلوبهم مسافات ومسافات.
ولكل من شعر في يوم من الأيام أن أحدًا لم يكن هناك له حين احتاجه.
"أن تكون هناك حقًا" ليس شعارًا للعلاقات، بل ممارسة يومية، وفنّ دقيق، وصدق مع الذات قبل أن يكون مع الآخرين.
ليس حضور الجسد هو ما نعنيه، بل حضور الانتباه، والنية، والمشاعر، والاحترام.
في هذا الكتاب، لن تجد نظريات معقدة ولا كلمات جامدة.
بل ستجد نفسك.
ستقرأ عن مواقف مررت بها، أو ربما مرّ بها من تحب.
ستكتشف لماذا كنت تُحس بالوحدة رغم الزحام، ولماذا يشعر بك البعض دون أن تتكلم، ولماذا تغيب أحيانًا… حتى عن نفسك.
"أن تكون هناك حقًا" هو وعدي لك أن تبدأ رحلة من نوع جديد:
رحلة إلى العمق،
إلى الدفء،
إلى ما هو إنساني أكثر من أي شيء آخر.
وأنا معك في كل خطوة منها.
فكرة الكتاب
نحن نعيش في زمن كثيف الحركة، متخم بالاتصالات، لكنه جاف من الاتصال الحقيقي. كثيرون يتحدثون، قليلون يُنصتون، والأندر من ذلك من يكون "هناك" فعلًا، بجسده، وذهنه، وقلبه.
هذا الكتاب ليس عن مهارات التواصل، ولا عن فن الإقناع، بل عن شيء أعمق من ذلك بكثير: فن الحضور الإنساني. كيف تكون موجودًا مع من أمامك… كليًا.
أهمية هذا الكتاب
في عالم يسوده التشتت، صار الحضور فعل حب، ومقاومة، وإنقاذ.
كم علاقة انتهت لأنها افتقدت لحظة إنصات؟
كم ابنٍ شعر بالوحدة رغم قرب والديه؟
كم زوجة صرخت في صمتها: "أنت لا تراني"؟
إن غياب الحضور يخلق فجوات لا تمتلئ بالكلام… بل بالانتباه الصادق.
ما الذي يميز هذا الكتاب؟
هذا الكتاب لا يقدّم وصفات سريعة، بل يوقظ فيك وعيًا كان نائمًا.
كل فصل يُقرّبك من نفسك ومن الآخرين.
كل محور كُتب بلغة صادقة، تحترم إنسانيتك، وتفتح لك أبوابًا لفهم لم تكن تعرف أنك تفتقده.
الفئة المستهدفة
لكل إنسان تعب من العلاقات السطحية.
لكل من يريد أن يكون حاضرًا بقلبه في زحمة العالم وتقلبات الحياة.
للأمهات والآباء، للعشاق والأصدقاء، للمعالجين والمدرّبين، لكل من يحمل قلبًا حيًا ويبحث عن عمق التواصل.
كيف تقرأ هذا الكتاب؟
اقرأه ببطء، وكأنك تجالس إنسانًا ينظر في عينيك.
لا تتعجّل الانتقال بين الفصول، فكل فصل هو مرآة لموقف في حياتك.
دوّن، توقّف، تأمل، واسمح للكلمات أن تصل… لا إلى فكرك فقط، بل إلى إحساسك.
ومثل كل كتبي هذا ليس كتابًا يُقرأ، بل يُعاش.
جزء نموذجي من الفصل الأول: غيابنا الصامت
(كيف أصبحنا نتعامل بوجوه حاضرة وقلوب غائبة؟)
في لحظةٍ ما من هذا العصر، وبينما كنا نركض خلف السرعة والإنتاجية، تراجعنا دون أن نشعر عن أهم ما نملك: قدرتنا على الحضور الحقيقي. لم يعد من الطبيعي أن ننظر في أعين من نحب، أو ننصت بصدقٍ لمن يتحدث إلينا. أصبحنا نتبادل الكلمات دون أن نتبادل الوجود، نتحاور بوجوه مفتوحة وقلوب مغلقة، ونؤدي أدوار الحياة اليومية دون أن نكون "هناك" فعليًا.
غيابنا لم يكن فجائيًا، بل جاء نتيجة تراكمات ثقافية وتقنية ونفسية غيّرت شكل العلاقات وسلبت منها جوهرها. إن هذا الفصل ليس نقدًا للعصر الحديث، بل كشف دقيق للأسباب التي جعلتنا غرباء حتى ونحن نجلس في غرفة واحدة. هو تأمل في هذا الغياب الصامت الذي أصبح عاديًا، لكنه ليس طبيعيًا، وعلينا التوقف أمامه بصدق وشجاعة.
المحور الأول: الثورة الرقمية وغياب الحضور الإنساني.
لنبدأ من التغيير الأكبر، من تلك اللحظة التي دخلت فيها الشاشات إلى كل زاوية في حياتنا. كانت التكنولوجيا وعدًا بالاقتراب من بعضنا، فإذا بها تصبح وسيلة للغفلة والنسيان والإهمال. أصبح الهاتف هو الشخص الثالث الحاضر في كل جلسة، والصامت المتكلم في كل حوار.
كيف غيّرت الهواتف والشاشات شكل تواجدنا مع الآخرين؟ ببساطة، بدّلت الأولويات. حين يجلس الأب مع طفله لكنه يتفقد بريده الإلكتروني، وحين تجلس الأم إلى جوار ابنتها منشغلة برسائل مجموعات التواصل، حينها لا يكون الحضور إلا جسديًا، أما الذهن والاهتمام فقد تم اختطافهما. صار الناس يُسألون وإذ بهم يُجيبون على شيء آخر، يُشاهدونك دون أن يرَوك، ويتحدثون دون أن يسمعوا.
أثر هذا النوع من التشتت الرقمي أعمق مما نتصور. في اللقاءات الواقعية، بات التواصل سطحيًا وعابرًا، إذ لم يعد هناك ما يكفي من الانتباه لتكوين لحظة مشتركة حقيقية. غابت التفاصيل، ضاعت النبرة، وذبلت الإشارات غير اللفظية التي تشكّل أكثر من 70% من المعنى في التواصل البشري.
أما النظر في العين، ذلك الفعل البسيط الذي كان يحمل دفئًا وصراحة، فقد أصبح مرهقًا ومربكًا. من فرط تعوّدنا على التواصل من خلف الشاشات، أصبح النظر المباشر يُشعرنا بشعور غريب كما لو أنه انكشاف لم نعد نحتمله. ما عاد التواصل البصري عادة طبيعية، بل صار تحديًا يتهرب منه الكثيرون دون وعي.
هذا الغياب الذي أنتجته الثورة الرقمية لا يقتصر على العلاقات الاجتماعية، بل ينسحب إلى العلاقات العائلية والمهنية وحتى العلاقة مع الذات. لم نعد "مع" من نحب، بل "بالقرب" منهم فقط. صارت الأماكن مكتظة بالأجساد، لكن حضور الأرواح الحقيقي نادر.
المحور الثاني: التمثيل الاجتماعي بدل التواجد الحقيقي.
مع مرور الوقت، أصبحنا نتقن الحضور المزيف. نعرف متى نبتسم، متى نهزّ رؤوسنا، متى نقول “أفهمك”… دون أن نشعر بشيء. نحن نمارس أدوارًا اجتماعية محفوظة، نتصرّف كما يُفترض، لا كما نشعر. وكأن كل تواصل صار عرضًا مسرحيًا، وكل لحظة لقاء مجرد مشهد مؤقت.
التمثيل الاجتماعي هو ما يجعلنا نبدو حاضرين في الظاهر، لكننا في الحقيقة نرتدي قناع الانتباه. نقول “أنا معك” وأعيننا تفضح غيابنا. نستمع، لكن فقط كي نرد، لا لنتفهم. نصغي، ولكن داخلنا منغمس في قضايا أخرى.
هذا الأداء الاجتماعي يُرضي القواعد الظاهرة للعلاقات، لكنه يقتل عمقها. فالعلاقات التي تبنى على التمثيل لا تنمو، بل تتآكل. حين يعتاد الإنسان على إخفاء مشاعره الحقيقية واستبدالها بتصرفات مبرمجة، فإنه يفقد نفسه تدريجيًا، وتفقد علاقاته معناها.
لماذا نلجأ إلى هذا التمثيل؟ لأنه أسهل. مواجهة العمق تتطلب شجاعة، وتتطلب وقتًا وتفرغًا لا نحصل عليه في عصر السرعة. لذا نختصر الحضور بحركات محفوظة، ونرتدي "أقنعة التفاعل" بدل أن نمنح من أمامنا ذواتنا.